[العاديات : 4] فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
4 - (فأثرن) هيجن (به) بمكان عدوهن أو بذلك الوقت (نقعا) غبارا بشدة حركتهن
وقوله : " فأثرن به نقعا " يقول تعالى ذكره : فرفعن بالوادي غباراً ، والنقع : الغبار ، وقال : إنه التراب ، والهاء في قوله ( به ) كناية اسم الموضع ، وكني عنه ، ولم يجر له ذكر ، لأنه معلوم أن الغبار لايثار إلا من موضع ، فاستغني بفهم السامعين بمعناه من ذكره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال :ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فأثرن به نقعا " قال : الخيل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء و ابن زيد ، قالا : النقع : الغبار .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، " فأثرن به نقعا " قال : هي أثارت الغبار ، يعني الخيل .
حدثني يعقوب قال ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله " فأثرن به نقعا " قال : أثارت التراب بحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة " فأثرن به نقعا " قال : أثرن بحوافرها نقع التراب .
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " فأثرن به نقعا " قال : أثرن به غباراً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال لي علي : إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى " فأثرن به نقعا " : الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله" فأثرن به نقعا " قال : إذا سرن يثرن التراب .
قوله تعالى:" فأثرن به نقعا" أي غباراً، يعني الخيل تثير الغباربشدة العدو في المكان الذي أغارت به. قال عبد الله بن رواحة:
عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
والكناية في (به) ترجع إلى المكان أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة. وإذا علم المعنى جاز أن يكنى عما لم يجر له ذكر بالتصريح، كما قال،
" حتى توارت بالحجاب" [ص:32]. وقيل: " فأثرن به" ،أي بالعدو
" نقعا" . وقد تقدم ذكر العدو. وقيل : النقع: ما بين مزدلفة إلى منى، قاله محمد بن كعب القرظي. وقيل: إنه طريق الوادي، ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع. وفي الصحاح: النقع: الغبار، والجمع: نقاع . والنقع: محبس الماء، وكذلك ما اجتمع في البئر منه، وفي الحديث:
أنه نهي أن يمنع نقع البئر. والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء، والجمع: نقاع وأنقع، مثل بحر وبحار وأبحر.
قلت: وقد يكون النقع رفع الصوت، ومنه حديث عمر حين قيل له: إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد، فقال: وما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهن وهن جلوس على أبي سليمان، ما لم يكن نقع ولا لقلقة. قال أبو عبيد: يعني بالنقع رفع الصوت، على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم، ومنه قول لبيد:
فمتى ينقع صراخ صادق يحلبوها ذات جرس وزجل
ويروى (يحلبوها) أيضاً. يقول: متى سمعوا صراخاً أحلبوا الحرب، أي جمعوا لها. وقوله:(ينقع صراخ): يعني رفع الصوت. وقال الكسائي : قوله (نقع ولا لقلقة) النقع: صنعة الطعام، يعني في المأتم. يقال منه: نقعت نقعاً. قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النقيعة، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء: صنعة الطعام عند القدوم من سفر، لا في المأتم. وقال بعضهم : يريد عمر بالنقع: وضع التراب على الرأس، يذهب إلى أن النقع هو الغبار. ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا، ولا خافه منهن، وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهن القيام. فقال: يسفكن من دموعهن وهن جلوس. قال بعضهم: النقع: شق الجيوب، وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد، واما اللقلقة: فشدة الصوت، ولم أسمع فيه اختلافاً. وقرأ أبو حيوة(فأثرن) بالتشديد، أي أرت آثار ذلك. ومن خفف فهو من أثار: إذا حرك، ومنه "وأثاروا الأرض" [ الروم:9].
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو "فالموريات قدحاً" يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار "فالمغيرات صبحاً" يعني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحاً ويستمع الأذان فإن سمع أذاناً وإلا أغار. وقوله تعالى: "فأثرن به نقعاً" يعني غباراً في مكان معترك الخيول "فوسطن به جمعاً" أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عبدة عن الأعمش , عن إبراهيم عن عبد الله "والعاديات ضبحاً" قال: الإبل, وقال علي : هي الإبل. وقال ابن عباس : هي الخيل, فبلغ علياً قول ابن عباس فقال: ما كانت لنا خيل يوم بدر. قال ابن عباس : إنما كان ذلك في سرية بعثت.
قال ابن أبي حاتم وابن جرير : وحدثنا يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثه قال: بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن "العاديات ضبحاً" فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله, ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفتل عني فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم فسأله عن "العاديات ضبحاً" فقال: سألت عنها أحداً قبلي ؟ قال: نعم, سألت ابن عباس فقال الخيل حين تغير في سبيل الله, قال: اذهب فادعه لي, فلما وقف على رأسه قال: أتفتي الناس بما لا علم لك, والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد , فكيف تكون العاديات ضبحاً ؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى, قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه, وبهذا الإسناد عن ابن عباس قال: قال علي : إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران, وقال العوفي وغيره عن ابن عباس : هي الخيل.
وقد قال بقول علي إنها الإبل جماعة منهم إبراهيم وعبيد بن عمير , وقال بقول ابن عباس آخرون منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير , وقال ابن عباس وعطاء : ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب. وقال ابن جريج عن عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح أح أح, وقال أكثر هؤلاء في قوله: "فالموريات قدحاً" يعني بحوافرها, وقيل أسعرن الحرب بين ركبانهن, قاله قتادة وعن ابن عباس ومجاهد "فالموريات قدحاً" يعني مكر الرجال وقيل هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل, وقيل المراد بذلك نيران القبائل, وقال: من فسرها بالخيل هو إيقاد النار بالمزدلفة. قال ابن جرير : والصواب الأول أنها الخيل حين تقدح بحوافرها.
وقوله تعالى: "فالمغيرات صبحاً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله, وقال من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى. وقالوا كلهم في قوله: "فأثرن به نقعاً" هو المكان الذي حلت فيه, أثارت به الغبار إما في حج أو غزو وقوله تعالى: "فوسطن به جمعاً" قال العوفي عن ابن عباس وعطاء وعكرمة وقتادة والضحاك : يعني جمع الكفار من العدو, ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعهن ويكون جمعاً منصوباً على الحال المؤكدة, وقد روى أبو بكر البزار ههنا حديثاً غريباً جداً, فقال: حدثنا أحمد بن عبدة , حدثنا حفص بن جميع , حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فأشهرت شهراً لا يأتيه منها خبر, فنزلت "والعاديات ضبحاً" ضبحت بأرجلها "فالموريات قدحاً" قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً "فالمغيرات صبحاً" صبحت القوم بغارة "فأثرن به نقعاً" أثارت بحوافرها التراب "فوسطن به جمعاً" قال: صبحت القوم جميعاً. وقوله تعالى: "إن الإنسان لربه لكنود" هذا هو المقسم عليه بمعنى إنه بنعم ربه لكفور جحود قال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو الجوزاء وأبو العالية وأبو الضحى وسعيد بن جبير ومحمد بن قيس, والضحاك والحسن وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد : الكنود الكفور, قال الحسن : الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو كريب , حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإنسان لربه لكنود" ـ قال ـ الكنود الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنع رفده" رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن الزبير , وهو متروك فهذا إسناد ضعيف, وقد رواه ابن جرير أيضاً من حديث حريز بن عثمان عن حمزة بن هانى عن أبي أمامة موقوفاً. وقوله تعالى: "وإنه على ذلك لشهيد" قال قتادة وسفيان الثوري : وإن الله على ذلك لشهيد ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان, قاله محمد بن كعب القرظي فيكون تقديره وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد أي بلسان حاله أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى: "ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر".
قوله تعالى: "وإنه لحب الخير لشديد" أي وإنه لحب الخير وهو المال لشديد, وفيه مذهبان (أحدهما) أن المعنى وإنه لشديد المحبة للمال (والثاني) وإنه لحريص بخيل من محبة المال وكلاهما صحيح. ثم قال تبارك وتعالى مزهداً في الدنيا ومرغباً في الاخرة ومنبهاً على ما هو كائن بعد هذه الحال وما يستقبله الإنسان من الأهوال: " أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور " أي أخرج ما فيها من الأموات "وحصل ما في الصدور" قال ابن عباس وغيره: يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم "إن ربهم بهم يومئذ لخبير" أي لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ومجازيهم عليه أوفر الجزاء ولا يظلم مثقال ذرة.
4- "فأثرن به نقعاً" معطوف على الفعل الذي دل عليه اسم الفاعل، إذ المعنى: واللاتي عدون فأثرن، أو على الصفات أسماء موصولة، فالكلام في قوة: واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن، والنقع: الغبار الذي أثرته في وجه العدو عند الغزو، وتخصيص إثارته بالصبح لأنه وقت الإغارة، ولكونه لا يظهر أثر النقع في الليل الذي اتصل به الصبح. وقيل المعنى: فأثرن بمكان عدوهن نقعاً، يقال ثار النقع وأثرته: أي هاج أو هيجته. قرأ الجمهور "فأثرن" بتخفيف المثلثة. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة بالتشديد: أي فأظهرن به غباراً. وقال أبو عبيدة: النقع رفع الصوت، وأنشد قول لبيد:
فمتى نقع صراخ صادق يجلبوها ذات جرس وزجل
يقول حين سمعوا صراخاً أجلبوا الحرب: أي جمعوا لها. قال أبو عبيدة: وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم انتهى. والمعروف عند جمهور أهل اللغة والمفسرون أن النقع الغبار، ومنه قول الشاعر:
يخرجن من مستطار النقع دامية كأن أذنابها أطراف أقلام
وقول عبد الله بن رواحة:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
وقول الآخر:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
وهذا هو المناسب لمعنى الآية، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحاً فأثرن به صوتاً، قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القرآن المعجزة. وقيل النقع: شق الجيوب، وقال محمد بن كعب: النقع ما بين مزدلفة إلى منى، وقيل إنه طريق الوادي. قال في الصحاح: النقع الغبار، والجمع أنقاع، والنقع محبس الماء، وكذلك ما اجتمع في البئر منه، والنقع الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء.
4- "فأثرن به"، أي هيجن بمكان سيرهن كناية عن غير مذكور، لأن المعنى مفهوم، "نقعاً"، غباراً، والنقع: الغبار.
4-" فأثرن " فهيجن . " به " بذلك الوقت . "نقعاً " غباراً أو صياحاً .
4. Then, therewith, with their trail of dust,
4 - And raise the dust in clouds the while,