[يونس : 90] وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
90 - (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم) لحقهم (فرعون وجنوده بغياً وعدواً) مفعول له (حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه) أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) كرره ليقبل منه فلم يقبل ، ودس جبريل في فيه حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقطعنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوزوه، " فأتبعهم فرعون "، يقول: فتبعهم فرعون وجنوده.
يقال منه ((أتبعته))، و((تبعته))، بمعنى واحد.
وقد كان الكسائي فيما ذكر أبو عبيد عنه، يقول: إذا أريد أنه أتبعهم خيراً أو شراً، فالكلام ((أتبعهم)) بهمز الألف، وإذا أريد: اتبع أثرهم، أو: اقتدى بهم، فإنه من ((اتبعت))، مشددة التاء، غير مهموزة الألف.
" بغيا " على موسى وهرون ومن معهما من قومهما من بني إسرائيل، " وعدوا "، يقول: واعتداءً عليهم.
وهو مصدر من قولهم: ((عدا فلان على فلان في الظلم، يعدو عليه عدواً))، مثل ((غزا يغزو غزواً)).
وقد روي عن بعضهم أنه كان يقرأ: ((بغياً وعدواً))، وهو أيضاً مصدر من قولهم: ((عدا يعدو عدواً))، مثل: ((علا يعلو علواً)).
" حتى إذا أدركه الغرق "، يقول: حتى إذا أحاط به الغرق، وفي الكلام متروك، قد ترك ذكره لدلالة ما ظهر من الكلام عليه، وذلك: " فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا "، فيه ((فغرقناه))، " حتى إذا أدركه الغرق ".
وقوله: " قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "، يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل فرعون حين أشفى على الغرق، وأيقن بالهلكة: " آمنت "، يقول: أقررت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك:
فقرأ بعضهم، وهو قراءة عامة المدينة والبصرة، " أنه "، بفتح الألف من " أنه "، على إعمال " آمنت "، فيها، ونصبها به.
وقرأ آخرون:((آمنت إنه))، بكسر الألف من ((إنه))، على ابتداء الخبر. وهي قراءة عامة الكوفيين.
قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد قال: اجتمع يعقوب وبنوه إلى يوسف وهم اثنان وسبعون، وخرجوا مع موسى من مصر حين خرجوا وهم ستمئة ألف. فلما أدركهم فرعون فرأوه، قالوا: يا موسى، أين المخرج؟ فقد أدركنا، قد كنا نلقى من فرعون البلاء؟ فأوحى الله إلى موسى: أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، ويبس لهم البحر، وكشف الله عن وجه الأرض، وخرج فرعون على فرس حصان أدهم، على لونه من الدهم ثمانمئة ألف، سوى ألوانها من الدواب. وكانت تحت جبريل عليه السلام فرس وديق ليس فيها أنثى غيرها، وميكائل يسوقهم، لا يشذ رجل منهم إلا ضمه إلى الناس. فلما خرج آخر بني إسرائيل، دنا منه جبريل ولصق به، فوجد الحصان ريح الأنثى، فلم يملك فرعون من أمره شيئاً، وقال: أقدموا، فليس القوم أحق بالبحر منكم! ثم أتبعهم فرعون، حتى إذا هم أولهم أن يخرجوا، ارتطم ونادى فيها: " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "، ونودى: " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ".
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - وعن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - قال: " رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن جبرائيل كان يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول: لا إله إلا الله ".
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي، قال، حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " جعل جبرائيل عليه السلام يدس - أو يحشو - في فم فرعون الطين، مخافة أن تدركه الرحمة ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن كثير بن زاذان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال، " قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل: يا محمد، لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه، مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له! يعني فرعون ".
حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أغرق الله فرعون قال: " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل "، فقال جبريل: يا محمد، لو رأيتني وأن آخذ من حال البحر وأدسيه في فيه، مخافة أن تدركه الرحمة ".
حدثني المثنى قال، حدثني عمرو، عن حكام قال، حدثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما قال فرعون: ((لا إله إلا الله))، جعل جبريل يحشو فيه الطين والتراب ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، أخبرني من سمع ميمون بن مهران يقول في قوله: " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل "، قال: أخذ جبرائيل من حمأة البحر فضرب بها فاه - أو قال ملأ بها فاه - مخافة أن تدركه رحمة الله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا الحسين بن علي، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران قال: خطب الضحاك بن قيس ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً لذكر الله، فلما أدركه الغرق قال: " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين "، قال الله: " آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ".
... قال، حدثني أبي، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن فرعون لما أدركه الغرق جعل جبريل يحشو في فيه التراب، خشية أن يغفر له.
... قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن عيسى بن المغيرة، عن إبراهيم التيمي: أن جبريل عليه السلام قال: ما حسدت أحداً من بني آدم الرحمة إلا فرعون، فإنه حين قال ما قال، خشيت أن تصل إلى الرب فيرحمه، فأخذت من حمأة البحر وزبده، فضربت به عينيه ووجهه.
... قال، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن يعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال، جبريل عليه السلام: لقد حشوت فاه الحمأة مخافة أن تدركه الرحمة.
قوله تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر" تقدم القول فيه في البقرة في قوله: "وإذ فرقنا بكم البحر" [البقرة: 50]. وقرأ الحسن وجوزنا وهما لغتان. "فأتبعهم فرعون وجنوده" يقال: تبع وأتبع بمعنىً واحد، إذا لحقه وأدركه. وابتع (بالتشديد) إذا سار خلفه. وقال الأصمعي: أتبعه (بقطع الألف) في الأمر اقتدى به. وأتبعه (بقطع الألف) خيراً أو شراً، هذا قول أبي عمرو. وقد قيل هما بمعنى واحد. فخرج موسى ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفاً، وتبعه فرعون مصبحاً في ألفي ألف وستمائة ألف. وقد تقدم. "بغيا" نصب على الحال. "وعدوا" معطوف عليه، أي في حال بغي واعتداء وظلم، يقال: عدا يعدو عدواً، مثل غزا يغزو غزواً. وقرأ الحسن وعدوا بضم العين والدال وتشديد الواو، مثل علا يعلوا علواً. وقال المفسرون: بغياً طلباً للاستعلاء بغير حق في القول، وعدواً في الفعل، فهما نصب على المفعول له. "حتى إذا أدركه الغرق" أي ناله ووصله. "قال آمنت" أي صدقت. "أنه" أي بأنه. "لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل" فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب. وقرئ بالكسر، أي صرت مؤمناً ثم استأنف. وزعم أبو حاتم أن القول محذوف، أي آمنت فقلت إنه، والإيمان لا ينفع حينئذ، والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس، وأما بعدها وبعد المخالطة فلا تقبل، حسب ما تقدم في النساء بيانه. ويقال: إن فرعون هاب دخول البحر وكان على حسان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى، فجاء جبريل على فرس وديق -أي شهي- لفي صورة هامان وقال له: تقدم، ثم خاض البحر فتبعها حصان فرعون، وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم أحد، فلما صار آخرهم في البحر وهم أولهم أن يخرج انطبق عليهم البحر، وألجم فرعون الغرق فقال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، فدس جبريل في فمه حال البحر، وروى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لما أغرق الله فرعون قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. حال البحر: الطين الأسود الذي يكون في أرضه، قاله أهل اللغة. وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر:
"أن جبريل جعل يدس في في فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه". قال هذا الحديث حسن غريب صحيح. وقال عون بن عبد الله: بلغني أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما ولد إبليس أبغض إلي من فرعون، فإنه لما أدركه الغرق قال: آمنت الآية، فخشيت أن يقولها فيرحم، فأخذت تربة أو طينة فحشوتها في فيه. وقيل: إنما فعل هذا به عقوبة له على عظيم ما كان يأتي. وقال كعب الأحبار: أمسك الله نيل مصر عن الجري في زمانه، فقالت له القبط: إن كنت ربنا فأجر لنا الماء، فركب وأمر بجنوده قائداً قائداً وجعلوا يقفون على درجاتهم وقفز حيث لا يرونه ونزل عن دابته ولبس ثياباً له أخرى وسجد وتضرع لله تعالى فأجرى الله له الماء، فأتاه جبريل وهو وحده في هيئة مستفت وقال: ما يقول الأمير يف رجل له عبد قد نشأ في نعمته لا سند له غيره، فكفر نعمه وجحد حقه وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون، يقول أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان جزاؤه أن يغرق في البحر، فأخذ جبريل ومر فلما أدركه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه. وقد مضى هذا في البقرة عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس مسنداً، وكان هذا في يوم عاشوراء على ما تقدم بيانه في البقرة أيضاً فلا معنى للإعادة.
قوله تعالى: "وأنا من المسلمين" أي من الموحدين المستسلمين بالانقياد والطاعة.
يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر بصحبة موسى عليه السلام وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية وقد كانوا استعاروا من القبط حلياً كثيراً فخرجوا به معهم فاشتد حنق فرعون عليهم فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته فلحقوهم وقت شروق الشمس " فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون " وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر وفرعون وراءهم ولم يبق إلا أن يتقاتل الجمعان وألح أصحاب موسى عليه السلام عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه ؟ فيقول: إني أمرت أن أسلك ههنا "كلا إن معي ربي سيهدين" فعند ما ضاق الأمر اتسع فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل العظيم وصار اثني عشر طريقاً لكل سبط واحد وأمر الله الريح فنشفت أرضه "فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى" وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ليرى كل قوم الاخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا. وجاوزت بنو إسرائيل البحر فلما خرج آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية الألوان, فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم بالرجوع وهيهات ولات حين مناص, نفذ القدر, واستجيبت الدعوة.
وجاء جبريل عليه السلام على فرس وديق حائل فمر إلى جانب حصان فرعون فحمحم إليها واقتحم جبريل البحر فاقتحم الحصان وراءه ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئاً فتجلد لأمرائه وقال لهم ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا فاقتحموا كلهم عن آخرهم وميكائيل في ساقتهم لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم, فلما استوسقوا فيه وتكاملوا وهم أولهم بالخروج منه أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم فارتطم عليهم فلم ينج منهم أحد وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت الأمواج فوق فرعون وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك: "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين" فآمن حيث لا ينفعه الإيمان " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون " ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال " آلآن وقد عصيت قبل " أي أهذا الوقت تقول, وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه "وكنت من المفسدين" أي في الأرض الذين أضلوا الناس "وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون" وهذا الذي حكى الله تعالى عن فرعون من قوله هذا في حاله ذلك من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قال فرعون آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ـ قال ـ قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة".
ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم من حديث حماد بن سلمة به, وقال الترمذي: حديث حسن, وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة" وقد رواه أبو عيسى الترمذي أيضاً وابن جرير أيضاً من غير وجه عن شعبة به فذكر مثله, وقال الترمذي: حسن غريب صحيح, ووقع في رواية عند ابن جرير عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن عطاء وعدي عن سعيد عن ابن عباس رفعه أحدهما فكأن الاخر لم يرفع فالله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أغرق الله فرعون أشار بأصبعه ورفع صوته "آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل" قال فخاف جبريل أن تسبق رحمة الله فيه غضبه فجعل يأخذ الحال بجناحيه فيضرب به وجهه فيرمسه, وكذا رواه ابن جرير عن سفيان بن وكيع عن أبي خالد به موقوفاً, وقد روي من حديث أبي هريرة أيضاً فقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا حكام عن عنبسة هو ابن أبي سعيد عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال لي جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له" يعني فرعون. كثير بن زاذان هذا قال ابن معين: لا أعرفه, وقال أبو زرعة وأبو حاتم: مجهول وباقي رجاله ثقات.
وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف قتادة وإبراهيم التيمي وميمون بن مهران ونقل عن الضحاك بن قيس أنه خطب بهذا للناس فالله أعلم. وقوله: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح وعليه درعه المعروفة على نجوة من الأرض وهو المكان المرتفع ليتحققوا موته وهلاكه ولهذا قال تعالى: "فاليوم ننجيك" أي نرفعك على نشز من الأرض "ببدنك" قال مجاهد: بجسدك, وقال الحسن: بجسم لا روح فيه, وقال عبد الله بن شداد: سوياً صحيحاً أي لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه, وقال ابو صخر: بدرعك. وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها كما تقدم والله أعلم. وقوله: "لتكون لمن خلفك آية" أي لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده وأنه لا يقوم لغضبه شيء ولهذا قرأ بعضهم "لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون" أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون بها, وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما قال البخاري حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ماهذا اليوم الذي تصومونه ؟" فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم فصوموه".
قوله: 90- "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر" هو من جاوز المكان: إذا خلفه وتخطاه، والباء للتعدية: أي جعلناهم مجاوزين البحر حتى بلغوا الشط، لأن الله سبحانه جعل البحر يبساً فمروا فيه حتى خرجوا منه إلى البر. وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه: "وإذ فرقنا بكم البحر ". وقرأ الحسن وجوزنا وهما لغتان "فأتبعهم فرعون وجنوده" يقال: تبع وأتبع بمعنى واحد: إذا لحقه. وقال الأصمعي: يقال أتبعه بقطع الألف: إذا لحقه وأدركه، واتبعه بوصل الألف: إذا اتبع أثر أدركه أو لم يدركه. وكذا قال أبو زيد: وقال أبو عمرو: إن اتبعه بالوصل: اقتدى به، وانتصاب بغياً وعدواً على الحال، والبغي: الظلم، والعدو: الاعتداء، ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة: أي للبغي والعدو. وقرأ الحسن وعدواً بضم العين والدال وتشديداً الواو مثل علا يعلو علواً، وقيل إن البغي: طلب الاستعلاء في القول بغير حق، والعدو في الفعل "حتى إذا أدركه الغرق" أي ناله ووصله وألجمه. وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من فرعون، فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده، ففرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل، فمشوا فيه حتى خرجوا من الجانب الآخر، وتبعهم فرعون والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضي موسى ومن معه، فلما تكامل دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا من الجانب الآخر انطبق عليهم فغرقوا كما حكى الله سبحانه ذلك. "قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل" أي صدقت أنه بفتح الهمزة على أن الأصل بأنه، فحذفت الباء، والضمير للشأن. وقرئ بكسر إن على الاستئناف، وزعم أبو حاتم أن القول محذوف: أي آمنت، فقلت إنه ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء، ولم يقل اللعين آمنت بالله أو برب العالمين، بل قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية. قوله: "وأنا من المسلمين" أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه، وهذه الجملة إما في محل نصب على الحال أو معطوفة على آمنت.
90-"وجاوزنا ببني إسرائيل البحر"، عبرنا بهم "فأتبعهم"، لحقهم وأدركهم، "فرعون وجنوده"، يقال: أتبعه وتبعه إذا أدركه ولحقه، وأتبعه بالتشديد إذا سار خلفه واقتدى به. وقيل: هما واحد. "بغياً وعدواً" أي: ظلما واعتداء. وقيل: بغيا في القول وعدوا في الفعل. وكان البحر قد انفلق لموسى وقومه، فلما وصل فرعون بجنوده إلى البحر هابوا دخوله فتقدمهم جبريل على فرس وديق وخاض البحر، فاقتحمت الخيول خلفه، فلما دخل آخرهم وهم أولهم أن يخرج انطبق عليهم الماء. وقوله تعالى: "حتى إذا أدركه الغرق"، أي: غمره الماء وقرب هلاكه، "قال آمنت أنه"، قرأ حمزة والكسائي إنه بكسر الألف أي: آمنت وقلت إنه. وقرأ الآخرون "أنه" بالفتح على وقوع آمنت عليها "لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين"، فدس جبريل عليه السلام في فيه من حمأة البحر.
90."وجاوزنا ببني إسرائيل البحر"أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم ، وقرئ جوزنا وهو من فعل المرادف لفاعل كضعف وضاعف . "فأتبعهم"فأدركهم يقال تبعته حتى اتبعته ."فرعون وجنوده بغياً وعدواً " باغين وعادين ، او للبغي والعدو وقرئ وعدوا."حتى إذا أدركه الغرق" لحقه ."قال آمنت أنه"أي بأنه." لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " وقرأ حمزة والكسائيإنه بالكسر على إضمار القول أو الاستئناف بدلاً وتفسيراً لـ" آمنت "فنكب عن الإيمان أوان القبول وبالغ فيه حين لا يقبل.
90. And We brought the Children of Israel across the sea, and Pharaoh with his hosts pursued them in rebellion and transgression, till, when the (fate of) drowning overtook him, he exclaimed: I believe that there is no God save Him in whom the Children of Israel believe, and I am of those who surrender (unto Him).
90 - We took the children of Israel across the sea: Pharaoh and his hosts followed them in insolence and spite. at length, when overwhelmed with the flood, he said: I believe that there is no god except him whom the children of Israel believe in: I am of those who submit (to God in Islam).