[يونس : 77] قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ
77 - (قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم) إنه لسحر (أسحر هذا) وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة (ولا يفلح الساحرون) والاستفهام في الموضعين للإنكار
" قال موسى "، لهم، " أتقولون للحق لما جاءكم "، من عند الله، " أسحر هذا "؟
واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله: " أسحر هذا "؟
فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت فيه على الحكاية لقولهم، لأنهم قالوا:" أسحر هذا "؟ فقال أتقولون: " أسحر هذا "؟
وقال بعض نحويي الكوفة: إنهم قالوا: ((هذا سحر))، ولم يقولوه بالألف، لأن أكثر ما جاء بغير ألف. قال: فيقال: فلم أدخلت الألف؟ فيقال: قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته: ((أحق هذا))؟ وقد علم أنه حق. قال:وقد يجوز أن تكون على التعجب منهم: أسحر هذا؟ ما أعظمه!.
قال أبو جعفر: وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي، أن يكون المفعول محذوفاً، ويكون قوله " أسحر هذا "، من قيل موسى، منكراً على فرعون وملئه قولهم للحق لما جاءهم: ((سحر))، فيكون تأويل الكلام حينئذ: قال موسى لهم: " أتقولون للحق لما جاءكم " - وهي الآيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه - سحر، أسحر هذا الحق الذي ترونه؟ فيكون ((السحر)) الأول محذوفاً، اكتفاءً بدلالة قول موسى " أسحر هذا "، على أنه مراد في الكلام، كما قال ذو الرمة:
فلما لبسن الليل، أو حين، نصبت له من خدا آذانها وهو جانح
يريد: أو حين أقبل، ثم حذف اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وكما قال جل ثناؤه: " فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم " [الإسراء: 7]، والمعنى: بعثناهم ليسوءوا وجوهكم، فترك ذلك اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، في أشباه لما ذكرنا كثيرة، يتعب إحصاؤها.
وقوله: " ولا يفلح الساحرون "، يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يبقون.
قال لهم موسى: "أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا" قيل: في الكلام حذف، المعنى: أتقولون للحق هذا سحر. فـأتقولون إنكار وقولهم محذوف أي هذا سحر، ثم استأنف إنكاراً آخر من قبله فقال: أسحر هذا!. فحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني من قولهم، منكراً على فرعون وملئه. وقال الأخفش: هو من قولهم، ودخلت الألف حكاية لقولهم، لأنهم قالوا أسحر هذا. فقيل لهم: أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا، وروي عن الحسن. "ولا يفلح الساحرون" أي لا يفلح من أتى به.
يقول تعالى: "ثم بعثنا" من بعد تلك الرسل "موسى وهارون إلى فرعون وملئه" أي قومه "بآياتنا" أي حججنا وبراهيننا "فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين" أي استكبروا عن اتباع الحق والانقياد له وكانوا قوماً مجرمين "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين" كأنهم قبحهم الله أقسموا على ذلك وهم يعلمون أن ما قالوه كذب وبهتان كما قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" الاية "قال" لهم "موسى" منكراً عليهم "أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون * قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تثنينا "عما وجدنا عليه آباءنا" أي الدين الذي كانوا عليه "وتكون لكما" أي لك ولهارون "الكبرياء" أي العظمة والرياسة "في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين".
وكثيراً ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر فسخره القدر أن ربى هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ثم ترعرع وعقد الله له سبباً أخرجه من بين أظهرهم ورزقه النبوة والرسالة والتكليم وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه هذا مع ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان, فجاءه برسالة الله تعالى وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام, فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية, والنفس الخبيثة وقوى رأسه وتولى بركنه وادعى ما ليس له وتجهرم على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل والله تعالى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام ولم تزل المحاجة والمجادلة والايات تقوم على يدي موسى شيئاً بعد شيء, ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله " وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها " وصمم فرعون وملؤه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله والجحد والعناد والمكابرة حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد, وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".
فرد عليهم موسى قائلاً: 77- "أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا" قيل في الكلام حذف، والتقدير: أتقولون للحق سحر فلا تقولوا ذلك، ثم استأنف إنكار آخر من جهة نفسه فقال: "أسحر هذا" فحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني، والملجئ إلى هذا أنهم لم يستفهموه عن السحر حتى يحكي ما قالوه بقوله: "أسحر هذا" بل هم قاطعون بأنه سحر، لأنهم قالوا "إن هذا لسحر مبين" فحينئذ لا يكون قوله: "أسحر هذا" من قولهم، وقال الأخفش: هو من قولهم، وفيه نظر لما قدمنا، وقيل معنى "أتقولون" أتعيبون الحق وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له، ثم قال: أسحر هذا منكراً لما قالوه، وقيل إن مفعول "أتقولون" محذوف، وهو ما دل عليه قولهم: "إن هذا لسحر" والتقدير: أتقولون ما تقولون، يعني قولهم إن هذا لسحر مبين ثم قيل أسحر هذا، وعلى هذا التقدير والتقدير الأول فتكون جملة "أسحر هذا" مستأنفة من جهة موسى عليه السلام، والاستفهام للتقريع والتوبيخ بعد الجملة الأولى المستأنفة الواقعة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ماذا قال لهم موسى لما قالوا "إن هذا لسحر مبين" فقيل: قال "أتقولون للحق لما جاءكم"، على طريقة الاستفهام الإنكاري، والمعنى: أتقولون للحق لما جاءكم إن هذا لسحر مبين، وهو أبعد شيء من السحر. ثم أنكر عليهم وقرعهم ووبخهم فقال: "أسحر هذا" فجاء موسى عليه السلام بإنكار بعد إنكار وتوبيخ بعد توبيخ وتجهيل بعد تجهيل، وجملة "ولا يفلح الساحرون" في محل نصب على الحال: أي أتقولون للحق إنه سحر، والحال أنه لا يفلح الساحرون فلا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير ولا ينجون من مكروه، فكيف يقع في هذا من هو مرسل من عند الله، وقد أيده بالمعجزات والبراهين الواضحة؟
77-"قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا"، تقدير الكلام أتقولون للحق لما جاءكم سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه. "ولا يفلح الساحرون".
77."قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم"إنه لسحر فحذف المحكي المقول لدلالة ما قبله عليه، ولا يجوز أن يكون ."أسحر هذا"لأنهم بتوا القول بل هو استئناف بإنكار ما قالوه اللهم إلا أن يكون الاستفهام فيه للتقرير والمحكي مفهوم قولهم، ويجوز أن يكون معنى" أتقولون للحق"أتعيبونه من قولهم فلان يخاف القالة كقوله تعالى :"سمعنا فتى يذكرهم"فيستغني عن المفعول .
"ولا يفلح الساحرون"من تمام كلام موسى للدلالة على أنه ليس بسحر فإنه لو كان سحراً لاضمحل ولم يبطل سحر السحرة، ولأن العالم بأنه لا يفلح الساحر لا يسحر، أو من تمام قولهم إن جعل أسحر هذا محكياً كأنهم قالوا أجئتنا بالسحر تطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون.
77. Moses said: Speak ye (so) of the Truth when it hath come unto you? Is this magic? Now magicians thrive not.
77 - Said Moses: say ye (this) a bout the truth when it hath (actually) reached you? is sorcery (like) this? but sorcerers will not prosper.