[يونس : 25] وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
25 - (والله يدعو إلى دار السلام) أي السلامة ، وهي الجنة بالدعاء إلى الإيمان (ويهدي من يشاء) هدايته (إلى صراط مستقيم) دين الإسلام
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتها، فإن مصيرها إلى فناء وزوال، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلاً، إلى هلاك وبوار، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله فالتمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النعيم والكرامة التي أعدها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سبباً للوصول إلى رضاه، وطريقاً لمن ركبه وسلك فيه إلى جنانه وكرامته، كما:
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: ((الله))، السلام، وداره الجنة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " والله يدعو إلى دار السلام "، قال: ((الله)) هو السلام، وداره الجنة.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، قيل لي: ((لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك))، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذني، ثم قيل: ((سيد بنى داراً ثم صنع مأدبة، ثم أرسل داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه السيد. ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، ولم يرض عنه السيد)). فالله السيد، والدار والإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم ".
حدثنا بشر قال، حدثا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "، ذكر لنا أن في التوراة مكتوباً: ((يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر انته)).
حدثني الحسين بن سلمة بن أبي كبشة قال، حدثنا عبد الملك بن عمرو قال، حدثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال، حدثني خليد العصري، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من يوم طلعت فيه شمسه، إلا وبجنبتيها ملكان ينادينان، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفى، خير مما كثر وألهى)) ". قال: وأنزل ذلك في القرآن في قوله: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، " عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلاً! فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك، كمثل ملك اتخذ داراً، ثم بنى فيها بيتاً، ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه. فالله الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، من أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها ".
قوله تعالى: "والله يدعو إلى دار السلام" لما ذكر وصف هذه الدار وهي دار الدنيا وصف الآخرة فقال: إن الله لا يدعوكم إلى جمع الدنيا بل يدعوكم إلى الطاعة لتصيروا إلى دار السلام، أي إلى الجنة. قال قتادة والحسن: السلام هو الله، ودار الجنة، وسميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من الآفات. ومن أسمائه سبحانه السلام، وقد بيناه في (الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى). ويأتي في سورة الحشر إن شاء الله. وقيل: المعنى والله يدعو إلى دار السلامة. والسلام والسلامة بمعنى كالرضاع والرضاعة، قاله الزجاج. قال الشاعر:
تحيي بالسلامة أم بكر وهل لك بعد قومك من سلام
وقيل: أراد والله يدعو إلى دار التحية، لأن أهلها ينالون من الله التحية والسلام، وكذلك من الملائكة. قال الحسن: إن السلام لا ينقطع عن أهل الجنة، وهو تحيتهم، كما قال: "وتحيتهم فيها سلام". وقال يحيى بن معاذ: يابن آدم، دعاك الله إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه، فإن أجبته من دنياك دخلتها، وإن أجبته من قبرك منعتها. وقال ابن عباس: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.
قوله تعالى: "ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" عم بالدعوة إظهاراً لحجته، وخص بالهداية استغناء عن خلقه. والصراط المستقيم، قيل: كتاب الله، رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"الصراط المستقيم كتاب الله تعالى". وقيل: الإسلام، رواه النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: الحق، قاله قتادة ومجاهد. وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وروى جابر بن عبد الله قال:
"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً فقال له اسمع سمعت أذناك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت والجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في الإسلام ومن دخل في الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل مما فيها" ثم تلا يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". ثم تلا قتادة ومجاهد: "والله يدعو إلى دار السلام". وهذه الآية بينة الحجة في الرد على القدرية، لأنهم قالوا: هدى الله الخلق كلهم إلى صراط مستقيم، والله قال: "ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" فردوا على الله نصوص القرآن.
ضرب تبارك وتعالى مثلاً لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها, بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض, بماء أنزل من السماء, مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها, وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك, "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" أي زينتها الفانية "وازينت" أي حسنت بما خرج من رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان "وظن أهلها" الذين زرعوها وغرسولها "أنهم قادرون عليها" أي على جذاذها وحصادها, فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة, فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها, ولهذا قال تعالى: "أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً" أي يابساً بعد الخضرة والنضارة "كأن لم تغن بالأمس" أي كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك. وقال قتادة: كأن لم تغن كأن لم تنعم, وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن.
ولهذا جاء في الحديث "يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول: لا, ويؤتى بأشد الناس عذاباً في الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له هل رأيت بؤساً قط ؟ فيقول لا" وقال تعالى إخباراً عن المهلكين: " فأصبحوا في دارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها " ثم قال تعالى: " كذلك نفصل الآيات " أي نبين الحجج والأدلة "لقوم يتفكرون" فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعاً مع اغترارهم بها, وتمكنهم وثقتهم بمواعيدها وتفلتها عنهم, فإن من طبعها الهرب ممن طلبها, والطلب لمن هرب منها, وقد ضرب الله تعالى مثل الدنيا بنبات الأرض في غير ما آية من كتابه العزيز, فقال في سورة الكهف: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" وكذا في سورة الزمر والحديد, يضرب الله بذلك مثل الحياة الدنيا. وقال ابن جرير: حدثني الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت مروان يعني ابن الحكم, يقرأ على المنبر: وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها, وما كان الله ليهلكهم إلا بذنوب أهلها. قال قد قرأتها وليست في المصحف, فقال عباس بن عبد الله بن عباس هكذا يقرؤها ابن عباس, فأرسلوا إلى ابن عباس فقال هكذا أقرأني أبي بن كعب, وهذه قراءة غريبة وكأنها زيدت للتفسير.
وقوله تعالى: "والله يدعو إلى دار السلام" الاية. لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها, رغب في الجنة ودعا إليها وسماها دار السلام أي من الافات, والنقائص والنكبات فقال: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " قال أيوب عن أبي قلابة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لي لتنم عينك وليعقل قلبك ولتسمع أذنك, فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني ثم قيل لي: مثلي ومثل ما جئت كمثل سيد بنى داراً ثم صنع مأدبة وأرسل داعياً فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد, ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولو يرض عنه السيد, والله السيد والدار والإسلام والمأدبة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم" وهذا الحديث مرسل, وقد جاء متصلاً من حديث الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً, فقال اسمع سمعت أذنك, واعقل عقل قلبك, إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بيتاً ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه, فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة, وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها" رواه ابن جرير, وقال قتادة: حدثني خليد العصري عن أبي الدرداء مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" قال وأنزل في قوله يا أيها الناس هلموا إلى ربكم "والله يدعو إلى دار السلام" الاية. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
قوله: 25- "والله يدعو إلى دار السلام" لما نفر عباده عن الميل إلى الدنيا بما ضربه لهم من المثل السابق رغبهم في الدار الآخرة بإخبارهم بهذه الدعوة منه عز وجل إلى دار السلام، قال الحسن وقتادة: السلام هو الله تعالى، وداره الجنة. وقال الزجاج: المعنى والله يدعو إلى دار السلامة. ومعنى السلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة، ومنه قول الشاعر:
تحيي بالسلامة أم بكر وهل لك بعد قومك من سلام
وقيل: أراد دار السلام الذي هو التحية، لأن أهلها ينالون من الله السلام بمعنى التحية كما في قوله: "تحيتهم فيها سلام"، وقيل: السلام اسم لأحد الجنان السبع: أحدها: دار السلام، والثانية: دار الجلال، والثالثة: جنة عدن، والرابعة: جنة المأوى، والخامسة: جنة الخلد، والسادسة: جنة الفردوس، والسابعة: جنة النعيم. وقيل: المراد دار السلام الواقع من المؤمنين بعضهم على بعض في الجنة، وقد اتفقوا على أن دار السلام هي الجنة، وإنما اختلفوا في سبب التسمية بدار السلام "ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" جعل سبحانه الدعوة إلى دار السلام عامة، والهداية خاصة بمن يشاء أن يهديه تكميلاً للحجة وإظهاراً للاستغناء عن خلقه.
25-قوله تعالى: "والله يدعو إلى دار السلام"، قال قتادة: السلام هو الله، وداره: الجنة. وقيل: السلام بمعنى السلامة، سميت الجنة دار السلام لأن من دخلها سلم من الآفات. وقيل المراد بالسلام التحية سميت الجنة دار السلام، لأن أهلها يحيي بعضهم بعضا بالسلام والملائكة تسلم عليهم. قال الله تعالى: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم " (الرعد- 23).
وروينا عن جابر قال:" جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا. قال: فاضربوا له مثلا. فقال بعضهم: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي: دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي: لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا أولوها له يفقهها، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا:فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس".
"ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"، فالصراط المستقيم هو الإسلام، عم بالدعوة لإظهار الحجة، وخص بالهداية استغناء عن الخلق.
25."والله يدعو إلى دار السلام "دار السلام من التقضي والآفة ، أو دار الله وتخصيص هذا الاسم أيضاً للتنبيه على ذلك ،أو دار يسلم الله والملائكة فيها على من يدخلها والمراد الجنة ."ويهدي من يشاء"بالتوفيق."إلى صراط مستقيم"هو طريقها وذلك الإسلام و التدرع بلباس التقوى ، وفي تعميم الدعوة وتخصيص الهداية بالمشيئة دليل على أن الأمر غير الإرادة وأن المصر على الضلالة لم يرد الله رشده.
25. And Allah summoneth to the abode of peace, and leadeth whom He will to a straight path.
25 - But God doth call to the home of peace: he doth guide whom he pleaseth to a way that is straight.