[يونس : 11] وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
11 - ونزل لما استعجل المشركون العذاب (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم) أي كاستعجالهم (بالخير لقضي) بالبناء للمفعول وللفاعل (إليهم أجلهم) بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم (فنذر) نترك (الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون) يترددون متحيرين
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر، وذلك فيما عليهم مضرة في نفس أو مال، " استعجالهم بالخير "، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به، " لقضي إليهم أجلهم "، يقول: لهلكوا، وعجل لهم بالموت، وهو ((الأجل)).
وعني بقول: " لقضي "، لفرغ إليهم من أجلهم، ونبذ إليهم، كما قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود، أو صنع السوابغ تبع
" فنذر الذين لا يرجون لقاءنا "، يقول: فندع الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، " في طغيانهم "، يقول: في تمردهم وعتوهم، " يعمهون "، يعني: يترددون.
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشر لو استجاب لهم، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير "، قال: قول الإنسان إذا غضب لولده وماله: ((لا بارك الله فيه ولعنه))!
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير "، قال:قول الانسان لولده وماله إذا غضب عليه: ((تبارك فيه والعنه))! فلو يعجل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير، لأهلكهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير "، قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه:(( اللهم لا تبارك فيه والعنه))، " لقضي إليهم أجلهم "، قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير "، قال: قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: ((اللهم لا تبارك فيه والعنه))! قال الله: " لقضي إليهم أجلهم "، قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا "، قال يقول: لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: " ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير "، قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" لقضي إليهم أجلهم "، قال: لأهلكناهم. وقرأ: " ما ترك على ظهرها من دابة "، [فاطر: 45]. قال: يهلكهم كلهم.
ونصب قوله: " استعجالهم "، بوقوع ((يعجل)) عليه، كقول القائل: ((قمت اليوم قيامك)) بمعنى: قمت كقيامك، وليس بمصدر من ((يعجل))، لأنه لو كان مصدراً لم يحسن دخول ((الكاف)) - أعني كاف التشبيه - فيه.
واختلفت القرأة في قوله: " لقضي إليهم أجلهم ".
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: " لقضي إليهم أجلهم "، على وجه ما لم يسم فاعله، بضم القاف من ((قضي)) ورفع ((الأجل)).
وقرأ عامة أهل الشأم: " لقضي إليهم أجلهم "، بمعنى: لقضى الله إليهم أجلهم.
قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسم فاعله، لأن عليه أكثر القرأة.
قوله تعالى: "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم".
فيه ثلاث مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "ولو يعجل الله للناس الشر" قيل: معناه ولو عجل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا، لأنهم خلقوا في الدنيا خلقاً ضعيفاً، وليس هم كذا يوم القيامة، لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء. وقيل: المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، وهو معنى "لقضي إليهم أجلهم". وقيل: إنه خاص بالكافر، أي ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة، قاله ابن إسحاق. مقاتل: هو قول النضر بن الحارث: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فلو عجل لهم هذا لهلكوا. وقال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب: اللهم أهلكه، اللهم لا تبارك له فيه والعنه، أو نحو هذا، فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم. فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحياناً سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا.
الثانية- واختلف في إجابة هذا الدعاء، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إني سألت الله عز وجل ألا يستجب دعاء حبيب على حبيبه". وقال شهر ابن حوشب: قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملائكة الموكلين بالعبد: لا تكتبوا على عبدي في حال ضجره شيئاً، لطفاً من الله تعالى عليه. قال بعضهم: وقد يستجاب ذلك الدعاء، واحتج بحديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه آخر الكتاب، قال جابر:
"سرنا مع رسول الله في غزوة بطن بواط وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له فأناخه فركب، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن، فقال له: شأ، لعنك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا اللاعن بعيره؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: أنزل عنه فلا تصحبنا بملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعةً يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".
في غير كتاب مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فلعن رجل ناقته فقال: أين الذي لعن ناقته؟ فقال الرجل: أنا هذا يا رسول الله، فقال: أخرها عنك فقد أجبت فيها" ذكره الحليمي في منهاج الدين. شأ يروى بالسين والشين، وهو زجر للبعير بمعنى سر.
الثالثة- قوله تعالى: "ولو يعجل الله" قال العلماء: التعجيل من الله، والاستعجال من العبد. وقال أبو علي: هما من الله، وفي الكلام حذف، أي ولو يعجل لله للناس الشر تعجيلاً مثل استعجالهم بالخير، ثم حذف تعجيلاً وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه، هذا مذهب الخليل وسيبويه. وعلى قول الأخفش والفراء كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء: كما تقول ضربت زيداً ضربك، أي كضربك. وقرأ ابن عامر لقضى إليهم أجلهم. وهي قراءة حسنة، لأنه متصل بقوله: "ولو يعجل الله للناس الشر".
قوله تعالى: "فنذر الذين لا يرجون لقاءنا" أي لا يعجل لهم الشر فربما يتوب منهم تائب، أو يخرج من أصلابهم مؤمن. "في طغيانهم يعمهون" أي يتحيرون. والطغيان: العلو والارتفاع، وقد تقدم في البقرة. وقد قيل: إن المراد بهذه الآية أهل مكة، وإنها نزلت حين قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" [الأنفال:32] الآية، على ما تقدم والله أعلم.
يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب له إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفاً ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء ولهذا قال: "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم" الاية, أي لو استجاب لهم كلما دعوه به في ذلك لأهلكهم ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن معمر حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة عن عبادة بن الوليد حدثنا جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدعوا على أنفسكم, لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم" ورواه أبو داود من حديث حاتم بن إسماعيل به. وقال البزار وتفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري لم يشاركه أحد فيه وهذا كقوله تعالى: "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير" الاية, وقال مجاهد في تفسير هذه الاية, "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير" الاية, هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه: اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم بالاستجابة في ذلك ما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم.
لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد، ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا. قال القفال: لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب، فبين الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشر إليهم، فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن، قيل معنى 11- "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير" لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير "لقضي إليهم أجلهم" أي ماتوا، وقيل المعنى: لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، وقيل: الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث وما يترتب عليه. قال في الكشاف: وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له، والمراد أهل مكة وقوله: "فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية. قيل والتقدير: ولو يعجل الله لهم الشر عند استعجالهم به تعجيلاً مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به، فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه. قال أبو علي الفارسي: في الكلام حذف، والتقدير "ولو يعجل الله للناس الشر" تعجيلاً مثل "استعجالهم بالخير"، ثم حذف تعجيلاً وأقام صفتة مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال: هذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو قول الأخفش والفراء، قالوا: وأصله كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب. قال الفراء: كما تقول ضربت زيداً ضربك: أي كضربك، ومعنى "لقضي إليهم أجلهم" لأهلكوا، ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشر فأمهلوا، وقيل معناه: أميتوا. وقرأ ابن عامر "لقضي" على البناء للفاعل، وهي قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله: "ولو يعجل الله". قوله: "فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون" الفاء للعطف على مقدر يدل عليه الكلام، لأن قوله: "ولو يعجل الله" يتضمن نفي التعجيل، فكأنه قيل: لكن لا يعجل لهم الشر ولا يقضي إليهم أجلهم فنذرهم إلخ: أي فنتركهم ونمهلهم، والطغيان: التطاول، وهو العلو والارتفاع، ومعنى "يعمهون" يتحيرون: أي نتركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم وعدم قبولهم للحق استدراجاً لهم منه سبحانه وخذلاناً.
11-قوله عز وجل: "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير"، قال ابن عباس: هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده: لعنكم الله، ولا بارك الله فيكم. قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب. معناه: لو يعجل الله الناس إجابة دعائهم في الشر والمكروه استعجالهم بالخير، أي: كما يحبون استعجالهم بالخير، "لقضي إليهم أجلهم"، قرأ ابن عامر ويعقوب: "لقضي" بفتح القاف والضاد، "أجلهم" نصب، أي: لأهلك من دعا عليه وأماته. وقال الآخرون: "لقضي" بضم القاف وكسر الضاد "أجلهم" رفع، أي: لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعا.
وقيل: إنها نزلت في النضر بن الحارث حين قال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية (الأنفال-32) يدل عليه قوله عز وجل: " فنذر الذين لا يرجون لقاءنا "، لا يخافون البعث والحساب، "في طغيانهم يعمهون".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، أنبأنا أحمد بن منصور الزيادي، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فيصدر مني ما يصدر من البشر فأي المؤمنين آذيته، أو شتمته، أو جلدته، أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة".
11."ولو يعجل الله للناس الشر"ولو يسرعه إليهم."استعجالهم بالخير"وضع موضع تعجيله لهم بالخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم في الخير حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم أو بأن المراد شر استعجلوه كقولهم"فأمطر علينا حجارة من السماء"وتقدير الكلام ،ولو يعجل الله للناس الشر تعجليه للخير حين استعجلوه استعجالاً كاستعجالهم بالخير ، فحذف منه ما حذق لدلالة الباقي عليه. " لقضي إليهم أجلهم"لأميتوا وأهلكوا وقرأ ابن عامر ويعقوب (لقضى) على البناء للفاعل وهو الله تعالى وقرئ (لقضينا) ."فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون"عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية كأن قيل،ولكن لا نعجل ولا نقضي فنذرهم إمهالاً لهم واستدراجاً .
11. If Allah were to hasten on for men the ill (that they have earned ) as they would hasten on the good, their respite would already have expired. But We suffer those who look not for the meeting with Us to wander blindly on in their contumacy.
11 - If God were to hasten for men the ill (they have earned) as they would fain hasten on the good, then would their respite be settled at once. but we leave those who rest not their hope on their meeting with us, in their trespasses, wandering in distraction to and fro.